تحدث القرآن الكريم عن السماعين للكذب وقرن بين وصفهم بذلك ووصفهم بأكل السحت، حيث يقول سبحانه : ” سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ”، وبين الوصفين علاقة وطيدة ، إذ يرتبط أمر أبواق الكذب بأكل السحت إلى حد كبير ، حيث صار تجنيد أبواق الكذب ضد دينها ودولها وأوطانها صناعة من صناعات العصر وأحد أسلحة حروب الجيل الرابع والجيل الخامس .
ونلاحظ أن القرآن الكريم قد عبر عن هذا الصنف من الناس بقوله سبحانه : “سماعون” وفرق بين سامع ، ومستمع، وسمَّاع ، فكلمة سامع ربما توحي بأنه سمع الكلام عفويًّا سواء أكان قاصدًا للسمع أم ألقى الكلام على مسامعه، أما المستمع فهو المنصت للكلام ، وأما السمّاع فصيغة مبالغة على وزن فعّال، فهو لا ينتظر أن يأتيه الكذب، إنما يبحث هو عنه، ويسعى إليه ، على نحو ما نرى ونشاهد من كثير من إعلاميي جماعة الإخوان الإرهابية والمأجورين من قبلها، المجندين لها، من خلال إغراقهم بالمال الخبيث ، فهم سماعون للكذب، بحَّاثون عنه، ساعون بنَهَم إليه، ليحاولوا أن يستجدوا منهم ما يوهمون به العامة والدهماء أنه حقيقة .
على أن ديننا الحنيف لم ينهنا عن أن نكون سماعين للكذب فحسب، بل حثنا على ضرورة التثبت والتحقق من صدق الأخبار قبل نقلها أو إذاعتها بين الناس، فقال سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ “، ويقول سبحانه في شأن من خاضوا في الإفك ” إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ”، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّث بِكُلِّ مَا سَمِعَ ”.
وإذا كان ديننا الحنيف قد ذم الكذب بصفة عامة وعدَّه من أول علامات النفاق ، فقال نبينا (صلى الله عليه وسلم): ” آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ”، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ” ، فإن ذلك الأمر يكون أكثر ذمًّا عندما يتعلق بمن يدّعون الفضيلة وهي منهم براء، فهم مع اتصافهم بالكذب، منافقون أفاكون، يقولون ما لا يفعلون، حيث يقول الحق سبحانه : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ “، ثم ما بالكم لو كان ما يقومون به إنما يأتي فسادًا وإفسادًا في الأرض، وهو ما نعاه القرآن الكريم على المنافقين المفسدين ، حيث يقول الحق سبحانه : “وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ” .